صنعاء نيوز
09:54 2021/02/10 | 25 قراءة

صنعاء نيوز/ بقلم القاضي طه عبدالرؤوف نعمان -
في الصباح الباكر والسماء مغيمة والضباب مخيم في قمم الجبال وفي قمة جبل ضين الواقع جنوب محافظة عمران توققت في بني ميمون بمديرية عيال سريح لشراء القات وأثناء ذلك اقترب من سيارتي ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين الست والثمان سنوات توسلوا مني وهم ينتفضون من برودة الطقس بأن يصعدوا السيارة لتوصيلهم إلى مدينة عمران وكان توسلهم مصحوبا بدعاء " الله يخليك وصلنا معك إلى عمران ، برد قوي ، الله يحفظك خلينا نطلع معك في السيارة ما حد رضي يطلعنا معه " ، رق قلبي لهم وسمحت لهم بالركوب ، وشدينا الرحيل إلى مدينة عمران ،،
في الطريق سألتهم : ما جابكم هانا وليش عتسيروا عمران ؟
ردوا ببراءة : بكرنا من بعد صلاة الفجر نبزغ قات ونطلع مصروف للبيت ، وجينا ومابش تبزيغ اليوم من سب المطر ، وتعبنا على الفاضي !
- وين ساكنين ؟
في عمران .
ليش تبزغوا القات ؟
نبزغ قات ونجمع الذي ما يشتوه أصحاب مغارس القات من ذي نبزغه ونجمعهن في علاقيات ونبيعهن في السوق ، ونطلع مصروف للبيت .
- بتدرسوا ؟
كنا ندرس وطرونا من المدرسة يشتوا من كل واحد ألف ريال كل أسبوعين ، منين ندي لهم ، يا الله نجمع مصاريف للبيت !
دارت بي الدنيا من هول ردهم !
سألوني : ما بتشتغل ؟
- قلت لهم : قاض .
سألوني : قاااااضي ، كم عدد القضايا في اليمن ، خمس قضايا أو أكثر ؟
- قلت لهم : ما هو خمس ! خيرات خيرات يا عيالي ، ما لوهن خمس قضايا ما بكرنا في أول الضوء عمران !
تركتهم والدنيا ما زالت تدور بي واستمعت لحوار دار بينهم :
أحدهم يقول : كيف عنروح البيت بغير مصروف ، منين عيتغدوا ، ومنين عيأكلوا !
والآخر يرد : سهل ، سهل ، عنجمع دبيب ونبيعهن ،
وقسموا المهام بينهم :
أنت عليك البطاطة والطماطيس ، وأنت عليك الطحين ، وأنت عليك السكر و ، و ،
اشتد دوران الأرض بي !
وعادوا للحديث معي وقالوا لي ببراءة ممزوجة بحكمة :
يا عم ، الفقراء هم المرتاحين في هذه الدنيا ، لا بيبزوا حق أحد ولا بيلاحقهم أحد ، يطلع مصروفه بتعبه ويضوي البيت ولا في بطنه حق أحد !
واحد متكبر معه سيارة آخر موديل وصدم خالنا وهرب وخالنا مات ، لو هو فقير ما صدمه وهرب !
قبل وصولنا مدينة عمران داعبتهم :
هيا حاسبونا ، على كل واحد خمسمائة ريال !
ارتعبوا : والله ما معانا ريال إحنا طلعنا معك توصلنا بلاش ما قلنا لك بزلط !
صممت ، فتوسلوا لي بأن أسامحهم في حق توصيلهم عمران .
فضحكت وأعطيتهم ما كتب الله لهم من رزق عبري ، وعوضتهم عما فاتهم من كسب ومصروف بسبب الأمطار التي منعتهم من تبزيغ وتجميع القات !
لم يصدقوا ، وكأني أعطيتهم المستحيل وأعدتهم للحياة من جديد !
أخذوها وهم يقولون : عندعي لك في كل صلاة ، وعنخليهم في البيت يدعوا لك في كل صلاة !
وما زالت الدنيا تدور بي إلى الآن .
رحمتك ولطفك يا إلهي .
--
طارق عبدالله الشرعبي
محامي وناشط حقوقي